Öz
İnsan davranışlarını iyiye yormak -ki bu davranışlar iyi ve kötü olmak üzere farklılık arz eder- Müslümanlar arasında özellikle de kardeşler, arkadaşlar ve akrabalar arasında yayılması gereken güzel bir huydur. Bu sayede muhabbet bağları korunmuş, Kur’ân’ın bize öğrettiği Rabbanî usûl uygulanmış olur. Resûlullah (sas) ashâbıyla kurduğu ilişkilerde ve onlara karşı tutumlarında hüsn-ü zannın en güzide örneklerini vermiştir. Hadis ve siyer kitapları, Resûlullah’ın (sas) güzel ahlâkına ve dahi bunun bir Kur’ân ahlâkı olduğuna delalet eden örneklerle doludur.
Bu makalede hadis ve siyer kaynaklarında yer alan ilgili rivayetler üzerinden Resûlullah’ın (sas) ashâbın bazı davranışlarından ötürü onları sorumlu tutmayıp, azarlamamasının ve onlara karşı bir hüsn-ü zanda bulunmasının arkasında yatan nedenleri ve maslahatları ortaya koymaya çalıştık. Tespit edebildiğimiz kadarıyla bu neden ve maslahatlardan bazıları şunlardır: İlgili sahâbînin yapmış olduğu eylemin ciddiyetini kavrayamayacak derecede şaşkınlık ve dehşet verici bir halde bulunması, birtakım davranışların altında ilmî bir ictihad durumunun söz konusu olması ve Resûlullah’ın (sas) bu içtihadı teşvik etmesi, bazı kişilerin özel durumlarının bulunması, ilgili şahsın yapmış olduğu davranışlarda İslâm ve Müslümanların itibarını koruma niyetinin bulunmasından dolayı Resûlullah’ın (sas) da onun itibarını korumayı amaçlaması, bazı durumlarda da birtakım maslahatları diğerlerine öncellenmesi.
Eğer bu eylemin makul bir şekilde yorumlanması mümkün değilse ve bu şekilde bir yorumlama faaliyetinin herhangi bir maslahatı yoksa nehiy ani’l-münker ilkesi uygulanarak davranışın tekrarlanması yasaklanıp, eylem sahibi azarlanıp ve bir an önce o davranışı terk etmeye davet edilmiştir.
Anahtar kelimeler: Hadis, Siyer-i Nebi, Sahâbe, Yorumlama, Tasarruf, Özür.
مدخل:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعدُ
فإنه مما لا يُحمَد من الخِلال، ولا يُعَدُّ في فضائل الأخلاق أن يتعجَّل المرء المسلم بالحُكم على الآخرين بتصرف صَدَر منهم، يَعتَمِد في ذلك الحكم على حَمْل تلك التصرفات على سوء النية والقصد ابتداءً، وتفسيرها بتفسير يُقدِّم فيه أسوأ الاحتمالات، ذلك أن كثيرًا من التصرف البشري مما يحتمل وجهًا حسنًا، أو تأويلًا معقولًا، أو عذرًا وجيهًا.
هذا، وإن من مقتضيات الإنصاف والعدل الذي أراد الله تعالى أن يتعامل به المسلمون: تقديمَ الحكم بإرادة النية الحسنة، والقصد الشريف، والحَمْلِ على أحسن الاحتمالات، ولاسيما بين الإخوان المحبين، وذوي الرحم، جَرْيًا على قاعدة استصحاب البراءة الأصلية للذِّمّة، حتى يثبت ضدُّ ذلك ثبوتًا يقينيًا، لا شكَّ فيه ولا مِراءَ.
وقد كان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم المثل الكامل والأعلى في تأويل تصرفات أصحابه الكرام بالتأويل الحسن، والتماس العذر لهم، وعدم العجلة في الحكم عليهم بالتعدِّي أو الخيانة، بمجرد صُدور تقصيرٍ منهم، أو ما كان ظاهره الخيانة، بل كان يراعي في ذلك جانب ضعف النفس البشرية، والنزغات الشيطانية المؤقتة.
وصدق أحمد شوقي في قصيدته المشهورة بنهج البُردةِ، إذ يقول:
رُزِقتَ أسمَحَ ما في الناسِ مِن خُلُقٍ | إذا رُزِقتَ التِماسَ العُذرِ في الشِّيَمِ |
وفي هذا البحث سأتناول المواقف الجليلة التي تبرز ذلك الجانب الإنساني عند النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال منهجيتين علميتين، الأولى: أقوم فيها باستقراء تلك المواقف من المظان والمصادر التي يتوقع وجود تلك النماذج فيها، مثل كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد، والأدب المفرد للبخاري والشمائل المحمدية للترمذي، وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الشيخ الأصبهاني، وغيرها.
والثانية: أنني أقوم بتحليل تلك المواقف في ذيل كل موقف منها؛ لبيان وجه التأويل الحسن الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أولئك الصحابة.
ولأجل تسهيل تناول ذلك الموضوع قسمته إلى ثلاثة مباحث وخاتمة:
أما المبحث الأول فتناولت فيه أساس مبدأ التعامل بالتماس الأعذار والتأويل ومستنده.
وأما المبحث الثاني فخصصته لبيان تلك المواقف التي استطعت الوقوف عليها مما حصل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بعض الصحابة، مبيناً كيف أنه صلى الله عليه وسلم تعامل فيها مع أصحابة على وفق التأويل الحسن والإعذار الجميل.
وأما المبحث الثالث فبينت فيه أهمَّ المسوّغات الـمُعتَبَرة، والمصالح الـمُستوحاة مِن وراء التغاضي عن الزلّات، والتماس الأعذار، والتأويل الحسن للتصرُّفات الخاطئة
وختاماً، أبين بشكل مجمل أهم تلك النتائج التي تم الوصول إليها من خلال البحث، سائلًا المولى سبحانه حُسنَ القصد، والسَّدادَ والتوفيق في السَّير والعمل فيه.
المبحث الأول. أساس مبدأ التعامل بالتماس الأعذار والتأويل
لم تكن قضية التعامل بمبدأ التماس الأعذار والتأويل بِدْعًا، بل كان لذلك أساسٌ مَتِينٌ في تعامل الله سبحانه وتعالى بذلك مع عددٍ مِن عبادِه الذين صَدَر منهم ما كان ظاهِرُه الـمَعصيةُ أو الخطيئة أو المعارضة لأمرِه، ثم يَتجاوَزُ الله سبحانه وتعالى عن أصحاب تلك التصرفات، بسبب ما اقتَرنَ بها من قَرائِنَ، تُفسِّر لنا سببَ تجاوز الله سبحانه وتعالى وعَفْوِه عن أصحابها، ومن ذلك على سبيل المثال:
1. 1. قصة إبراهيم حين طلب مِن الله أن يُريَه كيف يحيي الموتى
وذلك في قوله الذي ذكره لنا رب العزة جل وعلا: ﴿وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِۧمُ رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَ لَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِيۖ قَالَ فَخُذۡ أَرۡبَعَةٗ مِّنَ ٱلطَّيۡرِ فَصُرۡهُنَّ إِلَيۡكَ ثُمَّ ٱجۡعَلۡ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٖ مِّنۡهُنَّ جُزۡءٗا ثُمَّ ٱدۡعُهُنَّ يَأۡتِينَكَ سَعۡيٗاۚ وَٱعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾ [البقرة:260].
قال ابن بطال: “عَذرَه اللهُ تعالى في طلَبِ ذلك، لأن الـمَعايَنَةَ أشفَى، ويَهجُم على النفوس منها ما لا يَهجُم مِن الخَبَر”.[1]
1. 2. قصة موسى لما طَلَبَ مِن حضرة الحقِّ سبحانه وتعالى أن يراه
وذلك في قوله الذي ذكره لنا سبحانه: ﴿وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الاعراف:143]. فقد عذر الله تعالى موسى بسؤاله ذاك لأنه لم يكن ذلك منه شكًا، لكنه قاله رغبةً في الاستطلاع، وفضولًا دعتْه إليه نفسُه، قال أبو القاسم القُشَيري: “صار موسى عليه السّلام عند سماع الخطاب بعَينِ السُّكْر، فنَطَق ما نَطَقَ، والسَّكرانُ لا يُؤخَذ بقوله، ألا ترى أنه ليس في نص الكتاب معه عِتابٌ بحرفٍ”.[2]
1. 3. قصة الرجل الذي أمر أولاده إذا مات أن يُحرِقُوه ويَذْرُوهُ في البحر
وذلك فيما يرويه “أبو سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجُلًا كان قبلكم، رَغَسَه الله مالًا[3]، فقال لِبَنِيه لما حُضِرَ: أيَّ أبٍ كنتُ لكم؟ قالوا: خيرَ أبٍ، قال: فإني لم أعمل خيرًا قَطُّ، فإذا مِتُّ فأحرِقُوني، ثم اسحَقُوني، ثم ذَرُّوني في يومٍ عاصف، ففَعَلُوا، فجَمَعه اللهُ عزَّ وجَلَّ، فقال: ما حَمَلَك؟ قال: مخافتَك، فتلقَّاه برحمتِه”.[4]
قال ابن قُتيبة: “غفَر اللهُ تعالى له بمعرفتِه ما بِنِيَّتِه، وبمخافَتِه من عذابه، وجَهْلِه بهذه الصفة من صفاته”.[5]
1. 4. قصة آخر الناس دخولًا الجنة، يقول الله له: لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، فيقول: تَسخَرُ مني، أو: تضحك مني
وذلك فيما يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “إني لأعلَمُ آخرَ أهل النار خُروجًا منها، وآخر أهل الجنة دخولًا، رجل يخرج من النار كَبْوًا”. وفيه: أن الله سبحانه يقول له: “اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها – أو: إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا – فيقول: تَسخَرُ مني – أو: تضحك مني – وأنت الملك! فلقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَحِك حتى بَدَتْ نَواجِذُه، وكان يقول: ذاك أدنى أهل الجنة منزلةً”.[6]
فلم يؤاخِذ الله سبحانه وتعالى هذا الإنسانَ مع أنه خاطَبَ اللهَ سبحانه وتعالى بما لا يَنبغي مخاطبتُه به من وصفه بالسُّخرية، لأنه إنما فعل ذلك على سبيل الدَّهشَةِ والفَرح، وشدة الاستِغراب، بعد الإياس من دخول الجنة، قال ابن قرقول: “يحتمل أن يكون قائلُ هذا أصابه من الدهش والحَيرةُ لما أصابَهُ مِن سَعَةِ رحمة الله عزَّ وجَلّ بعد إشرافه على الهلاك، وما نالَه من السُّقُوط والزَّحْف على الصراط، وما لَقِيَه مِن حَرِّ النار وريحِها، وانفِهَاق الجَنّةِ له بعد بُعدِها عنه، ما لم يَحتَسِبْه، وما لم يَطمَع فيه، فلم يحفَظ فرحًا ودَهَشًا لفظَه، وأجرى كلامه على عادته مع المخلوقِ مثلُه، كما قال الآخر من الدَّهَش والفَرَح: أنت عبدي وأنا ربك”.[7]
المبحث الثاني. المواقف النبوية في التعامل مع الصحابة على مبدأ التأويل الحسن، والتماس العذر
وعلى ذلك الأساس المتين اعتمَدَ النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع صحابته الكرام، تعليمًا منه لهم ولسائر الأمة من بعدهم، وتَربيةً منه صلى الله عليه وسلم لهم على اتباع هذا المنهج العظيم. ولعل أبرز ما وقفت عليه من ذلك ما يلي:
1.2. موقفه صلى الله عليه وسلم من حاطب بن أبي بَلتَعة قُبيل فتح مكة
وذلك في قصته المشهورة حين أرسل كتابًا لقريش يحذِّرهم فيه من قدوم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، وعندما استوقف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حاطبًا وسأله عن السبب الذي دعاه لذلك، فقال حاطب: “يا رسول الله، لا تَعجَل عليَّ؛ إني كنت امرءًا مُلْصَقًا في قُريش، ولم أكُن مِن أنفُسِها، وكان مَن مَعك مِن الـمُهاجِرين لهم قَراباتٌ بمكةَ يَحمُون بها أهلِيهم وأموالَهم، فأحببتُ إذْ فاتَنِي ذلك مِن النَّسَب فيهم، أن أَتَّخِذَ عندهم يَدًا يَحمُون بها قَرابتي، وما فعلت كُفرًا ولا ارتِدادًا، ولا رِضًا بالكُفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد صَدَقَكُم، قال عُمر: يا رسول الله، دَعنِي أَضربْ عُنقَ هذا المنافِق! قال: إنه قد شهِدَ بدرًا، وما يُدرِيك لعلَّ الله أن يكون قد اطَّلَعَ على أهل بدر، فقال: اعمَلُوا ما شئتم فقد غَفرتُ لكم”.[8]
جاء في هذا الحديث اعتذارٌ من النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه فيما فعلَه بصريح العبارة، حيث فَعلَ ما فَعلَ بجهالةٍ منه لخطورة الفعلِ الذي أَقدَمَ عليه، قال الشافعي: “فإذا كان هذا مِن الرجلِ ذي الهَيئةِ بجَهالةٍ كما كان هذا مِن حاطب بجَهالةٍ، وكان غيرَ متَّهَمٍ أحببتُ أن يُتَجافَى له، وإذا كان مِن غير ذِي الهيئة كان للإمام – والله تعالى أعلم – تَعزيرُه”.[9]
كما تضمن الحديثُ التماسَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم العُذرَ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك في سكوته عن جرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وصفه حاطبًا بالمنافق، وليس ذلك إقرارًا من النبي صلى الله عليه وسلم باتصاف حاطبٍ بذلك، وإنما سكَت النبي صلى الله عليه وسلم عن تصرف عمر رضي الله عنه، صِيانةً منه صلى الله عليه وسلم لثوابت الدِّين، وقُدْسِيّة الإسلام؛ حيث كان عُمرُ مَهيبَ الجانب في ذات الله، ولأنه كان في تصرُّف حاطب جانبٌ من جوانب مشابهة تصرفات المنافقين، قال الخطابي: “وعَذَرَ عمرَ – يعني رسولَ الله صلى الله عليه وسلم – فيما تَناوله به من ذلك القول، إذ كان الفعل الذي جَرَى منه مُضاهيًا لأفعال المنافقين الذين يكيدون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعاونون عليه كفار قريش”.[10]
2. 2. قبول النبي صلى الله عليه وسلم عُذْرَ الأنصار فيما قالوه يوم فتح مكة
وذلك فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: “ألا أُعلِّمُكم بحديثٍ من حديثكم يا معشرَ الأنصار”، ثم ذكر فتح مكة. قال: “فانطلقنا فما شاء أحدٌ منا أن يقتل أحدًا إلا قتلَه، وما أحدٌ منهم يُوجِّه إلينا شيئًا، قال: فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله، أُبِيحت خَضراءُ قريش، لا قُريشَ بعد اليوم، ثم قال: مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمِنٌ، فقالت الأنصارُ بعضهم لبعضٍ: أما الرجلُ فأدركَتْه رغبةٌ في قريته، ورأفةٌ بعَشِيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي وكان إذا جاء الوحيُ لا يخفى علينا..، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: قلتُم: أما الرجلُ فأدركته رغبةٌ في قريته؟ قالوا: قد كان ذاك، قال: كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرتُ إلى الله وإليكم، والمحيا مَحياكُم والممات مَماتُكم، فأقبَلُوا إليه يَبكُون، ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضَّنّ بالله وبرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ورسوله يُصدِّقانكم، ويَعذُرانِكم”.[11]
في هذا الحديث دلالة على سبب آخر من أسباب العفو والتماس العذر لمن تكلم بشيءٍ ظاهرُه تَجاوُزُ حَدِّ الأَدَب مع الشخص المقصود بذلك الخطاب، وهذا السبب في العفو هو سلامة حالِ القائل، وهمُ الأنصار، واعتذارُهم بأن ما قالوه كان دافعَه المحبةُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتمسُّكَ به، قال ابن هُبيرة: “إن الله تعالى تداركهم بما أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى أخبرهم بما كانوا نطَقُوا به، فاعترَفُوا رضي الله عنهم اعتِرافًا؛ فامَّحى ما كان مِن هَفْوةٍ، فقالوا: ما قلنا إلا بالضَّنَّ بالله وبرسوله، يَعنُون: إنا ما قلنا ما قلنا شكًّا في نُبوّتِك، ولكن لما رأينا رِفْقَك بعَشِيرتِك وقَومِك، خِفْنا أن تُؤثِر الـمُقام عندهم على الـمُقام عندنا، فكان جوابه لهم: المحيا محياكم والممات مماتكم، فكان مقصودهم صالحًا”.[12]
وقال ابن تيمية مُعَلِّقًا على هذه القصة: “الكلمة التي تَخرُج عن مَحبَّةٍ وتَعظِيمٍ وتَشريفٍ وتَكريمٍ تُغفَر لِصاحِبِها بل يُحمَدُ عليها، وإن كان مِثلُها لو صَدَرَ بدون ذلك استَحَقَّ صاحِبُها النَّكالَ”.[13]
2. 3. قصص جماعة من الأعراب ظهر منهم ما جافَوا فيه حدودَ الأدب مع الغلظة والخشونة والجفاء:
ومن ذلك ما يرويه “صفوان بن عَسّال الـمُرادِيّ، قال: بينما نحن معه في مَسِيرةٍ إذ ناداهُ أعرابيٌّ بصوتٍ جَهْوَرِيّ، فقال: يا محمدُ، فقلنا: ويحَكَ، اغضُضْ مِن صوتِك، فإنك قد نُهِيتَ عن ذلك، فقال: والله لا أغضُضُ من صوتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاء، وأجابه على نحوٍ من مسألته”[14]، وفي روايةٍ: “وأجابه نحوًا مما تكلَّمَ به، فقال: أرأيت رجلًا أحبَّ قومًا، ولـمّا يَلْحَقْ بهم؟ قال: هو مع مَن أحَبَّ”.[15]
قال الخطابي: “عَذَره عليه السلام لِجَهلِه وقِلّة عِلمِه”.[16]
ومثله أيضًا ما يرويه أبو سعيد الخُدرِيّ رضي الله عنه، قال: “جاء أعرابيٌّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يَتقاضاهُ دَينًا كان عليه، فاشتَدّ عليه، حتى قال له: أُحرِّجُ عليك إلا قَضَيتَني، فانتهَرَه أصحابُه، وقالوا: ويحَكَ، تَدرِي مَن تُكلِّمُ؟ قال: إني أَطلُب حَقّي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلّا مع صاحبِ الحَقِّ كنتُم؟! ثم أرسَلَ إلى خَولةَ بنت قيس”. وفيه: “فأقرضَتْه، فقضى الأعرابيَّ وأطعَمَه، فقال: أوفَيتَ، أوفَى اللهُ لَكَ، فقال: أولئك خِيارُ الناسِ، إنه لا قُدِّسَتْ أمّةٌ لا يأخُذُ الضعيف فيها حَقَّه غير مَتَعْتَعٍ”.[17]
وقد علَّل النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عتابَه لهم على انتِهارهم الأعرابيَّ؛ بأن الأحرى بهم أن يقفوا مع صاحبِ الحقِّ، ويعاونوه في تحصيل حقِّه، مهما كان أسلوبه فَظًّا في مطالبته بحقه، فلا يُشتَغَل بالأدنى لتعطيل المطلَب الأعلى.
ولم يؤاخذِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأعرابيَّ الذي “جَبَذَهُ بردائه جبذةً شديدةً، حتى أثّرت تلك الجَبْذةُ بصفحة عاتقِ رسول الله مِن شِدّتِها، ثم قال: يا محمدُ، مُرْ لي مِن مال الله الذي عِندكَ، فالتفتَ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضَحِكَ، ثم أمَرَ له بعَطاءٍ”.[18]
وعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا عن أعرابيٍّ جاءه وهو نازل بالجِعْرَانَة، بين مكة والمدينة، فقال: “ألا تُنجِزُ لي يا محمدُ ما وعدَتِني؟ فقال له: أَبشِرْ، فقال: قد أكثرتَ علَيَّ مِن أَبشِرْ، فأقبلَ على أبي موسى الأشعري وعلى بِلالٍ كهيئة الغَضْبان، فقال: إن هذا رَدَّ البُشرَى، فاقبَلَا أنتُما! فقلنا: قبِلْنا”.[19]
ولم يؤاخذ كذلك أعرابيًا أساءَ فِعلًا؛ إذ “بالَ في المسجد، فقاموا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُزرِمُوه. ثم دعا بدَلْوٍ من ماء فصَبّ عليه”.[20] وزاد في رواية: “فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه المساجدَ لا تَصلُح لشيءٍ مِن هذا البَول، ولا القَذَر، إنما هي لِذكْر الله عز وجل، والصلاة وقراءة القرآن”.[21] وزاد في حديثٍ آخرَ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة: “إنما بُعِثْتُم ميسِّرين، ولم تُبعَثُوا مُعسِّرين”.[22]
قال العراقي: “جاهلُ الحُكمِ بالتَّحريم إذا خَفِيَ عليه ذلك؛ لكونه قريبَ العهد بالإسلام، أو نَشأ في باديةٍ بعيدةٍ عن العلماء، لأن هذا أعرابيٌّ نشأ بالبادية، فلم يكن يعلم أن المساجد لا يجوز البولُ فيها، فلم يعاقبه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يُؤنِّبْه، ثم عَلَّمَه الحُكمَ”.[23]
وعَفَا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك عن أعرابيٍّ أخذَ سيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم في بعض مغازيه، وهدده بالقتل، وقال له: من يمنعك مني؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الله، فشَامَ الأعرابي السيفَ، ثم قَعدَ. ولم يُعاقبه النبي صلى الله عليه وسلم.[24]
وهناك سبب آخر في عفوه صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الأعراب؛ أنه رغب في استمالة قلوبهم وتألُّفِهم على الإسلام، وقد ظهرت ثمار ذلك حقيقةً؛ فقد جاء في روايةٍ لحديث الأعرابي الذي اخترط السيفَ وهدَّدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالقتل، حيث رجع إلى قومه، فقال لهم: “جئتكم من عند خَيرِ الناس”.[25]
وقال ابن عَلّان المكي: “رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم المصلحةَ في العفوِ عنه؛ رجاءَ إسلامِ قَومِه، وإقبالهم على حضرته الشريفة لما يَسمَعُون بمحاسن هذه الأخلاق، وكمال هذا الكرم”.[26]
2. 4. قصة إعمال خالد بن الوليد رضي الله عنه السيفَ في بني جَذِيمة لقولهم: صَبأْنا
وذلك فيما يرويه عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قال: “بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جَذِيمة، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يُحسِنُوا أن يقولوا: أَسلَمْنا، فجعلوا يقولون: صَبأْنا صَبأْنا، فجعل خالدٌ يقتُل منهم ويأسِر، وفي الحديث: حتى قَدمْنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكَرناهُ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده، فقال: اللهم إني أَبْرأُ إليك مما صَنَعَ خالدٌ. مرتين”.[27]
في هذا الحديثِ تَرْكُ أخذِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم القِصاصَ من خالد بن الوليد رضي الله عنه، رغم انزعاجه صلى الله عليه وسلم مِن فعله وتَبَرُّئه مما صَنَعَ، وذلك لأن خالدًا فهم عبارةَ: “صَبَأنا” على ظاهرها الذي يتضَمَّن المعنى السَّيّء، قال الخطابي: “يُحتمَل أن يكون خالدٌ نَقَم عليهم العُدولَ عن لفظ الإسلام، لأنه فَهِمَ عنهم أن ذلك وقَع منهم على سبيل الأَنَفَةِ، ولم يَنقادُوا إلى الدِّين، فقَتَلَهم مُتأوِّلًا قَولَهم”.
وفي قصة أخرى وقعت لخالد بن الوليد رضي الله عنه نظيرَ هذه مع أُناسٍ مِن خَثْعَمَ ، لكن وقع فيها أن القومَ لاذُوا بالسُّجود، فأَعمَلَ فيهم خالدٌ القتلَ، “فوَدَاهُمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنِصفِ الدِّيَة، ثم قال: أنا بَريء مِن كل مُسلِمٍ مَع مُشركٍ، لا تَرَاءَى ناراهُما”.[28]
وقال الخطابي: “إنما عَذَرَ خالدًا في هذا؛ لأن السجودَ لا تَمَحَّضُ دلالته على قَبُول الدِّين؛ لأن كثيرًا من الأمم يُعظِّمُون رؤساءهم بالسجود لهم، ويُظهِرون لهم الخضوعَ والانقيادَ، بأن يَخِرُّوا على وجُوههم”.
ومثله قول الطَّحاوي، وزاد: “وَدَاهُم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وَدَاهُم به؛ تَطَوُّعًا منه بذلك، وتفضُّلًا منه به، وجزاءً منه لِغيرهم إليه”.[29]
2. 5. قصة نفَرٍ من المسلمين مَرُّوا برجُلٍ في غَنَمٍ له، فسلَّم عليهم، فظنُّوه يَتعوَّذ بذلك، فقتَلُوه
وذلك فيما يرويه ابن عباس رضي الله عنه، قال: “لقي ناسٌ من المسلمين رجلًا في غُنَيمةٍ له، فقال: السلام عليكم، فأخذوه فقَتَلُوه، وأخذوا تلك الغُنَيمة، فنزلت: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَنۡ أَلۡقَىٰٓ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسۡتَ مُؤۡمِنٗا﴾” [النساء:94].[30] وفي رواية: “فقالوا: ما سَلَّم عليكم إلا لِيتَعَوَّذَ منكم، فقامُوا فقَتَلُوه، وأخذُوا غَنَمه، فأتَوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الآية”.[31]
وحالُ هذه القصة كحال سابقتها تمامًا، كان إقدامهم على قَتْلِ ذلك الرجلِ السُّلَمِيِّ تأويلَهم سلامَه عليهم أنه كان تعوُّذًا منهم، لئلا يقتلوه، قال ابن القيم: “لم يؤاخذ أصحابَه حين قَتَلُوا من سَلَّم عليهم، وأخَذُوا غُنَيمتَه لأجلِ التأويل”.[32]
2. 6. قصة شكاية امرأة صفوان بن المعطَّل رضي الله عنه زوجَها للنبي صلى الله عليه وسلم فيما كان يفعلُه ويُقصِّرُ فيه
وذلك فيما يرويه أبو سعيد الخدري، قال: “جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، قالت: يا رسول الله، إن زَوجي صفوانُ بن الـمُعطَّل يَضربُني إذا صلَّيتُ، ويُفَطِّرُني إذا صُمْتُ، ولا يُصلّي صلاةَ الفجرِ حتى تَطلُع الشمسُ، قال: وصفوانُ عندَه، قال: فسألَه عما قالت: قال يا رسول الله، أما قولُها: يَضرِبُني إذا صلَّيتُ؛ فإنها تقرأ بسُورَتي وقد نَهيتُها، قال: فقال: لو كانت سورةً واحدةً لكَفَتِ الناسَ! وأما قولُها: يُفطِّرني؛ فإنها تَنطلقُ فتَصومُ وأنا رجلٌ شابٌّ فلا أَصبِرُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ: لا تَصومُ امرأةٌ إلا بإذن زَوجِها. وأما قولها: إني لا أُصلِّي حتى تطلُعَ الشمسُ؛ فإنَّا أهلَ بيتٍ قد عُرِفَ لنا ذاك، لا نَكادُ نَستيقِظُ حتى تَطلُع الشمسُ، قال: فإذا استَيقظْتَ فَصَلِّ”.[33]
وجاء في رواية أخرى لهذا الحديث: “لا تصومي إلا بإذنه، ولا تقرئي سورتَه، وأما أنت يا صفوان فإذا استيقظت فصلِّ”.[34]
وفي رواية ثالثة مرسلة أنها كانت تُغلِّطُ صفوان بقراءتها معه، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: “اقرئي بغير تلك السورة”.[35]
في هذا الحديث لم يُعنِّفِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صَفْوان بن الـمُعَطَّل رضي الله عنه بالرغمِ من أن ما قام به تجاهَ امرأته كان ظاهره على خلاف ما كان يأمرُ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن الرِّفقِ بالزَّوجة؛ ولكن لَـمَحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في تَصرُّف امرأةِ صفوانَ نوعًا من الاستِهانة والاستِخفافِ بحقوق زوجها؛ حيث إن صوم المرأة صيام النافلة بغير رضا زوجِها وهو حاضِرٌ قد يفوِّتُ على الزَّوج حَقَّه في إتيان أهلِه في وقت الحاجة الماسّة لذلك.
وكذلك لم يُعنِّفْهُ على تفويت صلاة الفجر في وقتها؛ لأنَّ صفوان بيّن للنبي صلى الله عليه وسلم أن النوم العميق عادةٌ مُستحكِمةٌ في طبيعتِه، فأعطى برهانًا بذلك على دَعواهُ، وقد بَيّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أنه: “ليس في النوم تفريطٌ، إنما التفريط في اليقظة: أن تؤخَّرَ صلاةٌ حتى يدخُل وقت أخرى”.[36]
قال الخطابي: “تَركُه التَّعنِيفَ له في ذلك أمرٌ عَجيبٌ مِن لُطفِ اللهِ سبحانه بعباده، ومِن لُطفِ نبيِّه، ورِفْقِه بأُمَّتِه، ويشبه أن يكون ذلك منه على معنَى مَلَكةِ الطَّبْعِ، واستِيلاء العادةِ، فصار كالشيءِ الـمُعجَز عنه، وكان صاحبُه في ذلك بمنزِلَةِ مَن يُغمَى عليه، فعُذِر فيه، ولم يُؤنَّب عليه”.[37]
وأما قضية ضرب صفوان امرأتَه لأجل قراءتها بسورته، فقد عَذَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صفوانَ بذلك، ونهى امرأته عن قراءتها بسورته، حتى لا تُشوِّش عليه صلاتَه، كما دلّت عليه الرواية الأخرى.
2. 7. قصة إطالة معاذ بن جبل رضي الله عنه الصلاةَ بقَومِه بعد فَراغه من الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفِه الرجُلَ الذي خَفَّفَ الصلاةَ خَلفَه بالمنافق
وذلك فيما يرويه جابر بن عبد الله رضي الله عنه: “أن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرةَ، قال: فتَجَوَّزَ رجلٌ فصلى صلاةً خفيفةً، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: إنه مُنافِقٌ”، وفيه: أن الرجل شكى معاذًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا معاذُ، أفَتّان أنت؟! ثلاثاً. اقرأ: ﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا﴾، و﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾، ونحوها”.
في هذا الحديث لم يُعنِّف النبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذ بن جَبَل رضي الله عنه فيما وصف به الرجلَ الأنصاريَّ الذي تجوَّز في صلاته خَلفَ معاذ وفَارَقَه، بأنه منافِقٌ؛ لأن الاستخفاف بالصلاة في الأصل من صفات المنافقين، والإنكار على مَن يَتَشَبّه بهم في شيءٍ منها لازِمٌ، قال التُّوْرِبِشْتِي: “وإنما لم يَتعرّض لقوله ذلك، ولم يُوبِّخه عليه؛ لأن الصلابةَ في الدِّين تَحمِلُ على ذلك القَولِ، بعد أن رأى التشابه بين صَنيعِ الرجلِ وصَنيعِ المنافقين، فعَذَره فيه، ولم يَعذُرهُ في إطالة الصلاة”.[38]
2. 8. قصة مخالفة بعض الصحابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال: “لا يُصَلِّيَنّ أحدٌ العصرَ إلا في بني قُريظةَ”؛ فصلَّوا قبل الوصول لبني قُريظةَ، عملًا منهم بمفهُوم الخطاب
وذلك فيما يرويه عبد الله بن عمر رضي الله عنه، “قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لـما رَجَعَ مِن الأحزاب: لا يُصَلِّيَنّ أحدٌ العصرَ إلا في بني قُرَيظةَ، فأدرك بعضُهم العصرَ في الطريق، فقال بعضُهم: لا نُصَلّي حتى نَأتيَها، وقال بعضُهم: بل نُصلّي، لم يُرِد منا ذلك، فذُكِر للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يُعنِّف واحدًا منهم”.[39]
في هذا الحديث تَركُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مؤاخذةَ الصحابةِ الذي خالفوا ظاهِرَ أمرِه لهم فصَلَّوا قبل الوصول لبني قريظة، ولم يُعنِّفهم؛ لكونهم عمِلُوا بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم اجتهادًا، قال القاضي عياض: “مَفهُومُ مُراد النبي صلى الله عليه وسلم الاستعجالُ إلى بني قريظة دون التَّوَاني، لا قَصدُ تأخير الصلاة نفسِها، فمَن أخَذَ بالـمُفهوم صلّى حين خاف فَواتَ الوقت، ومن أخَذَ بظاهر اللفظ أخَّر، ففيه حُجة للقائلين بالظاهر وللقائلين بالمفهوم”.[40]
2. 9. قصة قول النبي صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته للصحابة، حين قال: “ائتوني أكتب لكم كتابًا لن تَضِلُّوا بعدَه أبدًا”
وذلك فيما يرويه ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: “اشتدَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعُه يومَ الخميس، فقال: ائتُوني بكتاب أكتب لكم كتابًا لن تَضِلُّوا بعده أبدًا، فتنازَعُوا، ولا يَنبغِي عند نبي تَنازعٌ، فقالوا: هَجَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دَعُوني، فالذي أنا فيه خَيرٌ مما تَدعُوني إليه”.[41] وفي رواية لهذا الحديث: “فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غَلَبَ عليه الوَجَعُ”[42].
في هذا الحديث لم يُعنّفِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الذين لم يَستَجِيبوا لأمرِه، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ شفقةً منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم لِـمَا رأى عليه مِن الوجع والتألُّم، قال البيهقي: “قَصَدَ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بما قال التخفيفَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه قد غَلَبَ عليه الوجعُ، ولو كان ما يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لهم شيئًا مفروضًا، لا يَستَغنُون عنه، لم يتركه باختلافهم ولَغَطِهم؛ لقول الله عزَّ وجَلّ: ﴿بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ﴾ [المائدة:67]”.[43]
ويُضاف إلى ذلك أيضًا حرصه صلى الله عليه وسلم على أن يَبقي بابَ الاجتهاد مفتوحًا، لمن كان أهْلًا لذلك، قال البيهقي: “رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الاقتصارَ على ما سبَقَ بَيانُه نَصًّا، أو دلالةً، تخفيفًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكي لا تزول فضيلة أهل العلم بالاجتهاد في الاستنباط، وإلحاق الفروع بالأصول، بما دلَّ الكتابُ والسُّنّةُ عليه”.[44]
2. 10. قصة صلاة عمرو بن العاص بالناس إمامًا وهو جُنُب قد تيمَّم خوفًا أن يهلك مِن برودة الماء
وذلك فيما رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: احتَلمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غزوة ذات السلاسل، فأشفقتُ أن أغتسِلَ فأَهلِكَ، فتيمَّمتُ، ثم صلّيتُ بأصحابي الصبحَ، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو، صلَّيتَ بأصحابك وأنت جُنُب؟! فأخبرتُه بالذي منعني من الاغتسال، وقلتُ: إني سمعت الله يقول: ﴿وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا٢٩﴾ [النساء:29]، فضحك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولم يَقُل شيئًا”.[45]
في هذا الحديث لم يُعنِّفِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على تيمُّمِه مع حُضور الماء خوفًا من الهلاك بسبب شدة برودة الماء، وصلاته بأصحابه بذلك التيمم إمامًا، واكتفائه بالوضوء، وتيمُّمُه لما عدا مواضع الوضوء، ولا سيما وأن عَمرًا قد استدلّ على فعله بعموم الآية المذكورة؛ فكأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد أقرّه على اجتهاده ذاك، حرصًا منه صلى الله عليه وسلم على ترك باب الاجتهاد مفتوحًا لأهله، قال ابن حجر: “وفي هذا الحديث…جَوازُ الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم”.[46]
2. 11. قصة الصحابة الذين صَلَّوا بغير وضوء؛ لنفاد الماء معهم
وذلك فيما ترويه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها “أنها استعارت من أسماء قِلادةً فهَلَكت، فأرسلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من أصحابه في طلبِها، فأدركَتْهُم الصلاةُ، فصلَّوا بغير وضوء، فلما أتَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم شَكَوا ذلك إليه، فنزلت آيةُ التيمُّم، فقال أُسَيد بن حُضَير: جَزاكِ الله خيرًا، فواللهِ ما نزلَ بكِ أمرٌ قَطُّ، إلا جعل الله لك منه مخرجًا، وجعل للمسلمين فيه بَركةً”.[47]
في هذا الحديث لم يُوبِّخِ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الذين صلَّوا بغير وضوء؛ لانعدام الماء ونفاده معهم، وإنما لم يفعل ذلك إقرارًا منه صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد حين الحاجة إليه، ثم نزل القرآن مُقرّرًا ذلك حُكمًا شَرعيًّا، قال ابن عبد البَرّ: “وفيه: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين بَعثَهم في طلب القِلادة، وحَضَرتهُمُ الصلاةُ، فصلَّوا بغير وُضُوء، إذ لم يجدوا الماء، فلم يُعنِّفهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولا نَهاهُم”.[48]
وقال ابن حزم: “وقد اجتهد قومٌ بحضرتِه صلى الله عليه وسلم ….، ولم يُعنِّفهُم في اجتهادهم”.[49]
2. 12. قصة عمر بن الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الصلاةَ على ابنِ أُبَيّ بن سَلُول
وذلك فيما يرويه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وذكر قصة موت ابنِ أُبَيّ بن سَلُول، وفيها أن ابنَه سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم “أن يُصلّي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيصلِّيَ عليه، فقام عُمرُ، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما خَيَّرني اللهُ، فقال: ﴿ٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ أَوۡ لَا تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ مَرَّةٗ﴾ [التوبة:80] وسأزيده على السبعين، قال: إنه منافق! قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ﴾” [التوبة:84].[50]
وفي رواية: “فقال عُمر: تُصلّي عليه، وقد نَهاكَ اللهُ أن تستغفرَ لهم؟!”.[51]
وفي رواية لهذه القصة عن عمر بن الخطاب، قال: “فتبسَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أخِّرْ عنّي يا عُمرُ، فلما أكثَرتُ عليه قال: إني خُيِّرتُ فاخْتَرتُ”.[52]
في هذا الحديث لم يُعاتبِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يُوبِّخه على شدِّه ثوبه، لمحاولة منعه من الصلاة على ابن أُبَيّ بن سلول، حيث أجرى عمرُ حكمَه على ظاهر عبد الله بن أُبَيّ وما كان عليه من النفاق، فقاس عمرُ الصلاةَ على الاستغفار، كما جاء موضَّحًا في الرواية الثانية عن ابن عمر، وأقرَّه رسول الله عليه.
وقد بَيَّن ابنُ حجر العسقلاني وجه اجتهاد عمر كذلك في عدة مسائل من الآية، فقال: “فكأن عمر قد فَهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب من أن (أو) ليست للتخيير، بل للتسوية في عدم الوصف المذكور.
وفَهِمَ عُمر أيضًا من قوله: ﴿سَبۡعِينَ مَرَّةٗ﴾ [التوبة:80] أنها للمبالغة، وأن العدد المعين لا مفهوم له.
وفهم أيضًا أن المقصود الأعظم من الصلاة على الميت طلبُ المغفرة للميت، والشفاعةُ له، فلذلك استلزم عنده النهيُ عن الاستغفار تركَ الصلاة…، ولهذه الأمور استنكر إرادة الصلاة على عبد الله بن أبي”.[53]
على أن عمر بن الخطاب قد سلك في فعله ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم سَبيلَ الأدب والرِّفق، لا سبيل الخشونة والشِّدّة، بدليل التفاتِه صلى الله عليه وسلم إليه متبسّمًا، قال زين الدين بن الـمُنَيِّر: “إنما قال ذلك عُمرُ عرضًا على النبي صلى الله عليه وسلم ومشورةً لا إلزامًا، وله عوائدُ بذلك، ولا يَبعُدُ أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم كان أذِنَ له في مثل ذلك، فلا يستلزم ما وقع مِن عمر أنه اجتهدَ مع وجُود النصّ، كما تَمسَّك به قومٌ في جواز ذلك، وإنما أشار بالذي ظَهَر له فقط، ولهذا احتمل منه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْذَه بثوبه، ومخاطبتِه له في مثل ذلك المقام، حتى التَفَتَ إليه متبسِّمًا”.[54]
ومع كل ذلك فلم يأخذِ النبي صلى الله عليه وسلم بقول عمر، فلم يمتنع من الصلاة على ابن أُبَيّ بن سَلُول، سياسةً منه؛ بقصد الشفقة والتألُّف، قال الخطابي: “قَصدُه صلى الله عليه وسلم الشفقةُ على مَن تَعَلَّقَ بطَرَف من الدِّين، والتألُّف لابنه عبد الله، ولقومه وعشيرته من الخَزْرج، وكان رئيسًا عليهم، ومُعظَّمًا فيهم، فلو تَرَكَ الصلاةَ عليه قبل وُرُود النهيِ عنها لكانَ سُبّةً على ابنِه، وعارًا على قومه، فاستعمَلَ صلى الله عليه وسلم أحسنَ الأمرين وأفضلَهما في مَبلَغ الرأي وحقِّ السياسة في الدعاء إلى الدِّين، والتألُّف عليه، إلى أن نُهي عنه، فانتهى صلى الله عليه وسلم”.[55]
وقد استنَد رسول الله في سياسته تلك وقصده ذاك، إلى دليل الخطاب ومفهومه، قال ابن بطال: “ذلك أن إخبار الله أنه لا يغفر له ولو استغفر له سبعين مرة، يحتمل أنه لو زاد على السبعين أنه يغفر له، لكن لما شهِدَ الله أنه كافرٌ بقوله: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۗ﴾ [التوبة:80] دلَّت هذه الآية على تَغلِيبِ أحَدِ الاحتمالَين، وهو أنه لا يغفر له لكفره، فلذلك أمسَكَ صلى الله عليه وسلم عن الدعاء له”.[56]
2. 13. قصة صلح الحديبية، وإنكارُ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه وعَدَدٍ من الصحابة بعضَ ما جَرى فيها، اجتهادًا، لا مِراءً
وذلك فيما يرويه “الـمِسورُ بن مَخرَمَة، ومروانُ بن الحَكَم، قالا: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زمَن الحديبية”، وذكرا صُلحَ الحديبيةِ، وفيه: أن عمر بن الخطاب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كُتبتْ وثيقةُ الـمُصالَحة، فقال عمر: “فأتيتُ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: ألستَ نبيَّ الله حقًّا؟! قال: بلى، قلتُ: ألَسْنا على الحَقّ، وعدُوُّنا على الباطل؟! قال: بلى، قلتُ: فلم نُعطِي الدَّنِيّة في دِينِنا إذًا؟ قال: إني رسُولُ الله، ولستُ أعصِيهِ، وهو ناصِري، قلتُ: أوَلَيس كنتَ تحدِّثنا أنا سنأتي البيتَ فنَطُوفَ به؟ قال: بلى، فأخبرتُك أنا نأتيه العامَ، قال: قلتُ: لا، قال: فإنك آتيه ومُطَوِّفٌ به” وفيه: أن عمر جاء إلى أبي بكر فقال له مثل ما للنبي صلى الله عليه وسلم، وأجابه أبو بكر بمثل ما أجابه به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وفيه كذلك أن الصحابة لم يَستجيبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمرهم أن يَنحَرُوا ويَحلِقُوا للتحَلُّل، حتى أشارت عليه أم سلمة بأن يخرج وينحر ويحلق، فلما رأى الصحابة ذلك هابُوا وخافُوا، فامتثَلُوا.[57]
في هذا الحديث بيان واضح أن النبي صلى الله عليه وسلم التمَس العُذْرَ لعمر بن الخطاب وغيره من الصحابة الذين أنكروا صلحَ الحديبية، ولم يُعنِّفْهم؛ إقرارًا منه صلى الله عليه وسلم لمبدأ الاجتِهاد ممن كان للاجتهاد أَهْلًا، قال الطبري فيما نقله عنه ابن بطال: “الذين أنَكَرُوا الصُّلْحَ يوم أبي جَندَل[58] أنكَروهُ اجتِهادًا منهم، ورسولُ الله بحَضْرَتِهم يعلمُ ذلك مِن أمرِهم، فلم يَنهَهُم عن القولِ بما أدّى إليه اجتهادُهم، وإن كان قد عَرَّفَهم خطَأَ رأيِهم في ذلك، وصَوابَ رأيِه، ولو كان الاجتهادُ خطأً لكان حَرِيًا عليه صلى الله عليه وسلم أن يَتقدّم إليهم بالنهي عن القول بما أدّاهم إليه اجتهادُهم أشدَّ النَّهي”. قال: “لم يُؤثِّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم عُمرَ ومَن أنكَرَ الصُّلْحَ، ولو كانُوا في ذلك مُذنِبِينَ لأمَرَهُم النبيُّ بالتوبة، ولكنهم كانوا على اجتهادهم مأجُورِين، وإن كان الصوابُ فيما رأى رسول الله”.[59]
2. 14. قصة رجلٍ من الصحابة وصفَ مالك بن الدُّخْشُن – أو الدُّخْشُم – بأنه منافقٌ
وذلك فيما يرويه عتبان بن مالك رضي الله عنه، يقول: “غدا علَيَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: أين مالكُ بن الدُّخْشُن[60]؟ فقال رجلٌ منا: ذلك مُنافِقٌ، لا يُحِبُّ اللهَ ورسولَه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تَقُولوه: يقول: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجهَ الله، قال: بلى، قال: فإنه لا يُوافي عبدٌ يوم القيامة به، إلا حرَّم اللهُ عليه النارَ”.[61]
هذا الحديث قد بَوَّب عليه البخاريُّ في صحيحه بقوله: باب ما جاء في المتأوِّلِين، قال ابن حجر: “مناسبته من جهة أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ القائلين في حق مالك بن الدُّخْشُم بما قالوا، بل بَيّن لهم أن إجراءَ أحكامِ الإسلام على الظاهر دون ما في الباطن”.[62]
2. 15. قصة إنكار عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقراءة هشام بن حكيم رضي الله عنه، واشتداده عليه، حتى لَبَّبَه بِرِدائه
وذلك فيما يرويه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: “سمعت هشام بن حَكيم يقرأ سورةَ الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعتُ لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حُروفٍ كثيرةٍ لم يُقرئنِيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كذلك، فكِدْتُ أُساوِرُه في الصلاة، فانتظرتُه حتى سَلَّمَ، ثم لَبَّبْتُه[63] بِرِدائه – أو بردائي – فقلتُ: مَن أقرأك هذه السورةَ؟ قال: أقرأَنِيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، قلتُ له: كَذبتَ، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني هذه السورةَ التي سمعتُك تَقرؤها، فانطلقتُ أقُودُه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسول الله، إني سمعتُ هذا يقرأ بسورة الفُرقَانِ على حُروفٍ لم تُقرئنيها، وأنت أقرأتَني سورةَ الفرقان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسِلْه يا عمرُ، اقرأْ يا هشامُ، فقرأ عليه القراءةَ التي سمعتُه يقرؤها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أُنزِلَتْ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأْ يا عُمرُ، فقرأتُ، فقال: هكذا أُنزِلتْ، ثم قال: إن هذا القرآن أُنزِل على سبعةِ أَحرُفٍ، فاقرؤوا ما تَيَسَّر منه”.[64]
وهذا الحديث كذلك لم يعنف النبي صلى الله عليه وسلم فيه عمر في تصرُّفه، لما كان تَصرُّفُه ناشئًا عن تَأوُّلٍ سائغٍ، قال المهلَّب: “لا خِلافَ بين العلماء أن كُلَّ مُتأوِّلٍ معذُورٌ بتأوُّلِه، غيرُ مَأثُوم فيه؛ إذا كان تَأويلُه ذلك مما يَسُوغُ ويَجُوزُ في لسان العرب، أو كان له وَجْهٌ في العلم؛ ألا ترى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُعَنِّف عمرَ في تَلبِيبِه لهشامٍ مع علمه بثقَتِه، وعذَرَه في ذلك؛ لِصِحّة مُرادِ عُمَر واجتهادِه”.[65]
2. 16. قصة الخلاف بين اثنين من سادة الأنصار؛ أُسيدِ بن حُضَير وسعدِ بن عُبادة رضي الله عنهما في شأن الذين تحدَّثوا في قصة الإفك، وإطلاقُ أسيدٍ وصف المنافق على سعد بن عبادة.
وذلك فيما ترويه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فذكرت طرفًا من قصة الإفك، وفيها: “فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن يَعذُرُني مِن رجُلٍ بَلغَني أذاهُ في أهلي، فوالله ما علمُت على أهلي إلا خيرًا، وقد ذَكَروا رجلًا ما علمْتُ عليه إلا خَيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، فقام سعد بن مُعاذ، فقال: يا رسول الله، أنا والله أَعذُرك منه؛ إن كان من الأوس ضَرَبْنا عُنقَه، وإن كان من إخواننا مِن الخزرج أمرتَنا، ففَعَلْنا فيه أَمرَك”، وفيه: “فقال سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، فقال: كذبتَ لَعَمْرُ الله، لا تَقتَلْه، ولا تَقدِرُ على ذلك، فقام أُسَيد بن حُضَير فقال: كذَبتَ لَعَمْرُ الله، والله لَنقْتُلَنّه، فإنك مُنافِقٌ تُجادل عن المنافقين، فثَارَ الحَيّانِ؛ الأوسُ والخزرج، حتى هَمُّوا، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الـمِنبَر، فنَزلَ، فخَفَّضَهُم حتى سَكَتُوا، وسَكَتَ”.[66]
وفي هذا الحديث حَمْلُه صلى الله عليه وسلم كلامَ أُسَيدٍ على التأويل، فلم يُعنِّفه على ما وصَف به سعدَ بنَ عبادة مِن وصفِ النفاق، قال ابن القيم: “ولم يؤاخذ [يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم] أُسَيد بن حُضَير بقوله لسعد سيد الخزرج: إنك منافقٌ تجادل عن المنافقين؛ لأجل التأويل”.[67]
2. 17. قصة ضرب عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه صَدْر أبي هريرة حتى وقع على الأرض، وقد ذهب للتبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأَمْرِه
وذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه فذكر قصةً، وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة: اذهب بنعلَيَّ هاتَين، فمن لقيتَ مِن وراء هذا الحائط يَشهدُ أن لا إله إلا الله مستَيقِنًا بها قلبُه، فبَشِّره بالجنة، فكان أولُ مَن لقيتُ عمرَ، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثني بهما؛ مَن لَقِيتُ يَشهدُ أن لا إله إلا الله مُستَيقِنًا بها قلبُه، بشَّرتُه بالجنة، فضرب عمر بيدِه بين ثَدْيَيّ فخَررتُ لِاسْتِي، فقال: ارجِع يا أبا هريرة، فرجعتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم…، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عُمرُ، ما حَملَكَ على ما فعلتَ؟! قال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أبعثْتَ أبا هريرة بنعلَيك، مَن لَقِي يَشهدُ أن لا إله إلا الله مُستَيقِنًا بها قلبُه بشَّره بالجنة؟ قال: نعم! قال: فلا تَفعَل، فإني أخشى أن يَتَّكِلَ الناسُ عليها، فخَلِّهم يَعمَلُون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَخَلِّهِم”.
في هذا الحديث تركَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تعنيفَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يؤاخذه بما فعله مع أبي هريرة رضي الله عنه، حينما علَّل عُمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم تَصرُّفه ذاك بأن لا يَتّكِلَ الناسُ ويَتركُوا العَملَ، قال ابن القيم: “أقرَّه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم على فِعلهِ، ولم يؤاخِذْه؛ لأجل التأويل”.[68]
وفيه كذلك إبقاء النبي صلى الله عليه وسلم على هيبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نفوس المسلمين، والحفاظ على مكانته.
2. 18. قصة رفْعِ كعب بن مالك وابن أبي حَدْرَدٍ رضي الله عنهما صوتَيهما في المسجد في تقاضي دِينٍ كان لكعب على ابن أبي حَدْرَدٍ
وذلك فيما يرويه كعب بن مالك: “أنه تَقاضى ابنَ أبي حَدْرَدٍ دَينًا له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في المسجد، فارتفعت أصواتُهما، حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بَيتِه، فخرج إليهما حتى كَشَفَ سِجْفَ حُجرَتِه، ونادى: يا كعبَ بنَ مالك، قال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضَعِ الشَّطرَ مِن دَينِكَ، قال كعب: قد فَعلتُ يا رسول الله، قال رسول الله: قُمْ فاقْضِهِ”.[69]
في هذا الحديث لم يؤاخذِ النبي صلى الله عليه وسلم كعبًا ولا ابنَ أبي حَدْرَدٍ على رفعهما صوتَهما في المسجد الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم العباد بالحضور إليه بالسكينة والوقار، ذلك أن رفع الصوت فيه كان لأجل تقاضي حَقٍّ، ولما كانت حقوق العباد من الخطورة بمكانٍ لم يُعنِّفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على رفع الصوت، تقديماً للأهم على الـمُهِم، قال ابن بطال: “ارتفاع صوت كعبٍ وابن أبي حَدْرَدٍ في المسجد لما كان على طلبِ حَقٍّ واجِبٍ، لم يُنكِر الرسولُ صلى الله عليه وسلم ذلك عليهما، ولو كان لا يَجوزُ رفعُ الصَّوتِ فيه في حَقٍّ ولا غيره، لَمَا تَرَك النبيُّ عليه السلام بَيانَ ذلك؛ إذ هو مُعلِّمٌ، وقد فَرَض الله تعالى عليه ذلك”.[70]
المبحث الثالث. المسوّغات الـمُعتَبَرة، والمصالح الـمُستَوحَاة مِن وراء التغاضي عن الزلّات، والتماس الأعذار، والتأويل الحسن للتصرُّفات الخاطئة
الأصل الذي دلت عليه نصوص الشريعة – كما هو معلوم – هو إنكار الخطأ، والتحذير منه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُنكِرُ المنكَرَ، ولا يَسكُت عن الخطأ الواضح الذي لا يَحتَمِل التأويلَ، ولكنه في مقابل ذلك كان لا يُنكِر على آخرينَ ما يَصدُر منهم من تصرفاتٍ، إذا وَجَدَ لها مُسوِّغًا معتبرًا، أو تأويلًا حسنًا مقبولًا، ومن أهم تلك الـمُسَوِّغات:
3. 1. كون داعِي التصرُّف هو الدَّهْشةَ والحيرةَ حتى يَغيبَ عن الذِّهن خُطورة ذلك التصرُّف
إن مِن نعمة الله تعالى على عباده أنه رفع عنهم قلم المؤاخذة بما لم يَتعَمَّدوه من التصرُّفات مهما عَظُمت، وقد لَخّصَ لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك بعبارة موجزة جامعة؛ حيث قال: “إن الله وَضَعَ عن أمتي الخطأَ، والنِّسيانَ، وما استُكرِهُوا عليه”[71]، ولا شك أن الدهشة والحيرة من أعظم أسبابِ الخطأ والنسيان.
وذلك حاصلٌ في عدد من الأمثلة السابق ذكرها، كقصة الرجل الذي هو آخرُ الناس دخولًا الجنة، حينما يرى ذلك العطاء العظيم من الله تعالى له، فيقول لحضرة الحق: “تَسخَرُ مني – أو: تضحك مني”، وكذلك في قصة الرجل الذي وجد بعيره بعد فَقْدِه إياه، وإياسه من وجدانه، حتى قال لما وقف على رأسِه: “اللهم أنت عبدي وأنا ربك”.
3. 2. تقرير الاجتهاد والتشجيع عليه
إن الاجتهاد مَطلَبٌ شرعيٌّ؛ وقد وردت مشروعيته في عدد من النصوص الشرعية؛ بحَثِّ ذوي الكفاية والاقتدار ممن ملك أدوات الاجتهاد على استعماله، وقد بَيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما للمجتهدين من أجر، حيث قال: “إذا حَكَمَ الحاكِمُ فاجتَهدَ، ثم أصاب فله أجران، وإذا حَكَمَ فاجَتهَدَ، ثم أخطأ فله أجرٌ”[72]، وذلك حاصلٌ في عدد من المواقف السابق بيانها، ومن أبرزها: قصة الصحابة الذين خالفوا ظاهِرَ أمرِه صلى الله عليه وسلم لهم بتأخير الصلاة حتى الوصول إلى بني قريظة؛ فصَلَّوا قبل الوصول لبني قريظة، ولم يُعنِّفهم، وكما في قصة مخالفة بعض الصحابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال قبيل وفاته: “ائتوني أكتب لكم كتابًا لن تَضِلُّوا بعده أبدًا”، فلم يستجيبوا لظاهر أمره، وكما في قصة صلاة عمرو بن العاص رضي الله عنه بالناس إمامًا وهو جُنُب قد تيمَّم خوفًا أن يهلك مِن برودة الماء، وكما في قصة الصحابة الذين صَلَّوا بغير وضوء؛ لنفاد الماء معهم. حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقرهم على اجتهادهم، لِيَترُكَ باب الاجتهاد من بعده مفتوحًا لأمته، لتستطيع الأمة من بعده مواكبة المستجِدّات، لإيجاد الحلول والأحكام لها من خلال الاجتهاد.
3. 3. وجودُ تأويلٍ مقبُولٍ يمكن حَمْلُ التَّصرُّف عليه
وقد أوجز لنا المهلَّب شرط قبولِ التأويل بقوله الذي قدَّمناه: “كل مُتأوِّلٍ مَعذُورٌ بتأوُّلِه غيرُ مأثُوم فيه إذا كان تأويله ذلك مما يَسُوغُ ويجوزُ في لسان العرب، أو كان له وجهٌ في العلم”.
وهذا فَرْع من فُروع الاجتهاد، لكنه يَفتَرِق عنه بأن التأويلَ لا يُقصد به الإقرارُ عليه أبدًا، لأنه إنما فيه تجاوزٌ عن الخطأ في تَصرُّف مُعيّنٍ بذاته، لا يَتعَدّاه إلى غيره، بل ينتهي ببيان خطأ التأويل، فإذا ظهر خطأ التأويل لصاحبه، فلا يجوز له العَودُ لمثله. وهذا ما أراده الإمام الزهري – والله أعلم – حين قال: “وقعتِ الفتنةُ وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلُّهم مُتَوافِرُون، فأجمَعُوا على أن كل مالٍ أو دَمٍ أُصيبَ بتأويل القرآن، فهو هَدْرٌ؛ أنزَلُوهُم مَنزِلةَ الجاهلية”. ففي عبارته الأخيرة “أنزَلُوهُم مَنزِلةَ الجاهلية” دليل على أن عذرهم مقبول، إلى حين البيان والتصحيح، وحسبُ، وليس عذرًا مقبولًا لهم على الدَّوام.
وأوضح من ذلك كلام ابن حجر العسقلاني حيث قال وهو يتحدث عن إكفار المسلم أن المتأوِّل في ذلك “يُبَيَّن له وجهُ خطئه، ويُزجَر بما يَلِيقُ به، ولا يَلتَحِقُ بالأول عند الجمهور، وإن كان بتأويلٍ سائغٍ لم يَستَحِقَّ الذَّمَّ، بل تُقامُ عليه الحُجَّة حتى يرجِعَ إلى الصواب”.[73]
ومن أمثلته مما مضى ذكره من أمثلةٍ: قصة إنكار عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقراءة هشام بن حكيم رضي الله عنه، وكذلك قصة إعمال خالد بن الوليد رضي الله عنه السيفَ في بني جَذِيمة لما قالوا: صَبأْنا، وقَصدُهم أسلَمْنا. وقصة حاطب بن أبي بَلتَعة قبيل فتح مكة.
ومنه أيضًا ما جاء في حقِّ عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وأُسيد بن حضير في وصفهم رجالًا بالنفاق، بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يؤاخذهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا متأوِّلين، “إذ كان الفعل الذي جَرَى منهم مُضاهيًا لأفعال المنافقين” على حَدِّ تعبير الخطابي الذي قدمتُه في حق حاطب.
3. 4. الإبقاء على هيبة الإسلام وعدم كسر شوكة من يكون ذا غَيرة على الإسلام وأهله
إن الله سبحانه قد وَصْفُ هذه الأُمّةِ بالخَيْرِيّة على سائر الأمم، بما امتازَت به مِن صِفاتٍ كَريمةٍ، كان من أبرزها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال جل شأنه: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ﴾ [آل عمران:110].
وقد يسلك الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في سبيل ذلك بعضَ الشدة، كالذي حصل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عدد من المواقف السابق ذِكرُها، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وصفه على سبيل المدح له بقوله: “وأشدُّهم في دِينِ الله عُمرُ”.[74]
3. 5. تصرفاتٌ كانت سببًا في تشريع أو بيانِ حُكمٍ لأمرٍ مُستجِدٍّ مما يهمُّ الناس
وقد كان عددٌ من المواقف السابق ذكرُها من بعض الصحابة رضوان الله تعالى عنهم سببًا في تشريع بعض الأحكام الشرعية لبعض المسائل والحوادث المستجِدّة، وهذه في حدِّ ذاتها نِعمةٌ من الله تعالى على المسلمين، كما دلَّ عليه قولُ أُسيد بن حضير لعائشة: جَزاكِ الله خيرًا، فوالله ما نزلَ بكِ أمرٌ قَطُّ، إلا جعل الله لك منه مخرجًا، وجعل للمسلمين فيه بَركةً”.
ومن ذلك قصة الصحابة الذين صَلَّوا بغير وضوء؛ لنَفَادِ الماء معهم، وكما في قصة صلاة عمرو بن العاص رضي الله عنه بالناس إمامًا وهو جُنُب قد تيمَّم خوفًا أن يهلك مِن برودة الماء، وكما في قصة صفوان بن المعطَّل رضي الله عنه في تأخيره صلاة الصبح عن وقتها بعارض النوم العميق.
5. 6. تقديم المصلحة الأهم على المصلحة المهمة، والمقصد الأعلى على المقصد الأدنى
إن تقديم الأهم والأعلى من المصالح والمقاصد من القواعد المعتبرة في شريعتنا الغراء، ولا شك أن قضية التماس الأعذار والتأويل الحسن، مما يدخل ضمن هذه القاعدة الجليلة، كما في قصة ترك النبي صلى الله عليه وسلم تعنيف صفوان بن المعطَّل على ما كان منه من ضرب امرأته لما كان في صومها تفويت مصلحة الزوج وهي من المصالح العليا. وكما في قضية سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن تعنيف بعض الأعراب الذين تجاوزا معه حدودَ الأدب واللياقة في الخطاب، كما نبه عليه ابن علان، حيث كان في ذلك كسبٌ لقلوبهم وتحبيبٌ لهم في الإسلام، وهذه من أعلى المصالح وأهمِّها بلا شك.
الخاتمة
من خلال ما تقدَّم في هذا البحث يتبين لنا عدة نتائج مهمة، يمكن تلخيصها فيما يلي:
– أن كثيرًا من تصرفات الناس مما يمكن أن تتعدَّد فيه مقاصدهم ونياتهم، ولذلك لا بدَّ من التريُّث وعدم الاستعجال في الحكم على الناس بمجرد صدور شيء من تلك التصرفات منهم.
– وحين تتعدد مقاصد التصرفات ونياتها، فالأحرى والأجدر حمل تلك التصرفات على أحسن الوجوه، بالتماس الأعذار لأصحابها، وتأويلها التأويلَ الحسنَ، التي لا تَفسُد معها العلاقاتُ والصِّلَات.
– إن قضية التماس الأعذار والتأويل الحسن للتصرفات من أهم القضايا التي تدعو إليها مكارم الأخلاق، لما فيها من حفظ الود بين الأحبة والأصحاب وذوي الرحم.
– ومن أبرز المسوّغات الـمُعتبرة لالتماس الأعذار، والتأويل الحسن للتصرُّفات الخاطئة، مما أمكننا استنباطه من خلال تلك المواقف التي سردناها: كونُ داعي التصرُّف هو الدَّهشةَ والحيرةَ حتى يَغيبَ عن الذِّهن خُطورة ذلك التصرُّف، أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم اغتفر ما حصل من بعضهم بقصد تقريره الاجتهاد لأصحابه وتشجيعهم عليه، أو يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد وجَدَ في ذلك التصرفِ تأويلًا مقبُولًا يمكن تفسيره على أساسه، وتساعِدُه الحالةُ الخاصة، وربما يكون قد آثر فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم الإبقاءَ على هيبة صاحبه وعدم كسر شوكته، ولاسيما إذا كان تصرُّفه ذاك ناشئًا عن غَيرةٍ منه على الإسلام وأهلِه، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم علم من خلال تلك التصرفات أنها ستكون سببًا في تشريع أو بيانِ حُكمٍ لأمرٍ مُستجِدٍّ مما يهمُّ الناسَ، أو يكون في ترك التعنيف والمؤاخذة تقديم المصلحة الأهم على المصلحة المهمة، والمقصد الأعلى على المقصد الأدنى.
KAYNAKÇA
Ahmed, Ahmed b. Muhammed b. Hanbel eş-Şeybânî. el-Müsned. thk. Şuayb el-Arnaûd vd. Beyrut: Müessesetü’r-Risâle, 2001.
Beyhakî, Ahmed b. el-Hüseyn b. Ali b. Mûsâ el-Husreverdî el-Horasânî Ebû Bekir. Delâilü’n-nübüvve. thk. Abdulmûti Kal’aci. Beyrut: Darü’l-Kütübi’l-İlmiyye, 1405.
Buhârî, Muhammed b. İsmâîl el-Kûfî. es-Sahîh. thk. Muhammed Züheyr b. Nâsır en-Nâsır. Riyad: Dâru Tavki’n-Necât, 1422.
Cessâs, Ahmet b. Ali Ebû Bekir er-Râzî el-Hanefî. Ahkamü’l-Kurân. thk. Muhammed Sâdık Kemhavî. Beyrut: Dâru İhyâi’t-Turâsi’l-Arabi, 1405.
Ebû Dâvud, Süleyman b. Eş’as es-Sicistânî. es-Sünen. thk. Şuayb el-Arnaûd – Muhammed Kâmil Karabelli. b.y.: Dâru’r-Risâleti’l-Âlemiyye, 1403.
Ebû Ubeyd, el-Kâsım b. Sellâm, b. Miskîn el-Herevî. Garîbü’l-hadîs. thk. Hüseyin Muhammed Şeref. Kahire: el-Hey’etu’l-Âmme lişu’ni’l-Metâbi’il-Emîriyye, 1984.
Ebû Ya‘lâ, Ahmed b. Alî b. el-Müsennâ et-Temîmî el-Mevsılî. el-Müsned. Dımeşk: Dâru’l-Me’mûn, 1404.
Hâris b. Ebû Üsâme, Ebû Muhammed el-Hâris b. Muhammed b. Dâhir (Ebî Üsâme) et-Temîmî. Buğyetü’l-bâhis an zevâʾidi Müsnedi’l-Hâris. thk. Hüseyn el-Bekiri. Medîne: Merkezu hidmeti’s-Sünneti ve’s-Sîrati’n-Nebeviyye, 1992.
Hattâbî, Ebû Süleyman Hamd b. Muhammed b. İbrâhim b. el-Hattâb el-Büstî. Aʿlâmü(İʿlâmü)’l-hadîs fî şerhi Sahîhi’l-Buhârî. thk. Muhammed b. İsâ b. Abdulrahman es-Suud. Suudi: Câmi’atü Ümi’l-Kurâ, Merkezü’l Buhusi’l İlmiyye, 1409.
Hattâbî, Ebû Süleyman Hamd b. Muhammed b. İbrâhim b. el-Hattâb el-Büstî. Meâlimu’s-sünen. Haleb: el-Matbaatü’l-İlmiyye, 1351.
Irâkî, Zeynüddin, Ebü’l-Fazl Zeynüddîn Abdürrahîm b. el-Hüseyn b. Abdirrahmân el-Irâkî – İbnihi Ebû Zür’a Veliyyüddîn Ahmed b. Abdirrahîm b. el-Hüseyn el-Kürdî el-Mihrânî. Tarhu’t-tesrîb fî şerhi’t-Takrîb. Mısır: Cemi’yyetu’n-Neşr ve’t-Telîfi’l-Ezheriyye, 1354.
İbn Abdülber en-Nemerî, Ebû Ömer Cemâlüddîn Yûsuf b. Abdillâh b. Muhammed. et-Temhîd Lima fi’l-Müvetta Mine’l-Meânî ve’l-Esanîd. thk. Beşşar Avvad Maruf v.dğr. Londra: Müessesetu’l-Furkan li’t-Turasi’l-İslami, 2018.
İbn Allân, Muhammed Alî b. Muhammed Allân b. İbrâhîm el-Bekrî es-Sıddîkî. Delîlü’l-fâlihîn li-turuki Riyâzi’s-Sâlihîn. thk. Halil Mamun Şîha. Beyrut: Dâru’l-Mârife, 2004.
İbn Battâl el-Kurtubî, Ebü’l-Hasen Alî b. Halef b. Abdilmelik b. Battâl el-Bekrî. Şerhu’l-Câmii’s-Sahîh, thk. Yasir b. İbrahim. Riyad: Mektabetü’r-Rüşd, 2. Baskı, 1423.
İbn Düreyd, Ebû Bekr Muhammed b. el-Hasen b. Düreyd el-Ezdî el-Basrî. Cemheret’l-luğa. thk. Remzî Balebekî. Beyrut: Dâru’l-‘İlm li’l-melâyîn, 1987.
İbn Hacer, Ahmed b. Ali b. Hacer el-Askalânî. Fethu’l-bârî şerhu Sahihi Buhârî. thk. Âdil Mürşîd v.dğr. Beyrut: Dâru’r-Risâleti’l-Âlemiyye, 1415.
İbn Hazm, Ebû Muhammed Ali b. Ahmed b. Saîd b. Hazm el-Endelüsî el-Kurtubî ez-Zâhirî. el-Ahkâm fî usûli’l-ahkâm. thk. Ahmed Muhammed Şâkir. Dâru’l-Âfâki’l-Cedîde, Beyrut: y.y., ts.
İbn Hübeyre, Ebü’l-Muzaffer Avnüddîn Yahyâ b. Muhammed b. Hübeyre eş-Şeybânî ed-Dûrî. el-İfsâh an me’âni’s-Sıhâh. thk. Fuâd Abdülmün’im Ahmed. Riyad: Dâru’l-Vetan, 1996.
İbn Kayyim El-Cevziyye, Ebû Abdillâh Şemsüddîn Muhammed b. Ebî Bekr b. Eyyûb ez-Züraî ed-Dımaşkī el-Hanbelî. İ’lâmü’l-muvakkı’în an Rabbi’l-Âlemîn. thk.Taha Abdurraûf Saad. Kahire: Mektebetü’l-Kulliyyeti’l-İslamiyye, 1968.
İbn Kurkûl, Ebû İshâk İbrâhîm b. Yûsuf b. İbrâhîm el-Vehrânî el-Hamzî. Metâli’u’l-envâr alâ sıhâhi (sahîhi)’l-Âsâr. thk. Dâru’l felâh lil bahsi’l-İlmi ve Tahkiki’t-Turâs. Katar: Vezâratü’l-Evkâf, 2012.
İbn Kuteybe, Ebû Muhammed Abdullâh b. Müslim b. Kuteybe ed-Dîneverî. Te’vîlü Muhtelifi’l-hadîs. thk. Muhammed Muhyiddin Abduhamîd. Beyrut – Doha: el-Mektebü’l-İslami – Müessesetü’l-İşrâk, 2. Baskı, 1999.
İbn Mâce, Ebû Abdillâh Muhammed b. Yezîd Mâce el-Kazvînî. es-Sünen. thk. Şuayb el-Arnaûd v.dğr. Beyrut: Dâru’r-Risaleti’l-Âlemiyye, 2009.
İbn Sa’d, Muhammed. b. Sa’d el-Haşimi Mevlâhum. et-Tabekâtü’l-Kebîr. thk. Ali Muhammed Ömer. Kahire: Mektebetü’l-Hanci, 2001.
İbn Teymiyye, Takiyyüddin Ebü’l-Abbâs Takiyyüddîn Ahmed b. Abdilhalîm b. Mecdiddîn Abdisselâm el-Harrânî. es-Sarimu’l-Meslul ala Şatimi’r-Rasûl. thk. Muhammed el-Hulvânî – Muhammed Şoderî. Beyrut: Darü İbn’i- Hazm, 1417.
İbnü’l-Esîr, Ebü’s-Seâdât Mecdüddîn el-Mübârek b. Esîrüddîn Muhammed b. Muhammed eş-Şeybânî el-Cezerî. en-Nihâye fî ğarîbi’l-hadîs ve’l-eser. thk. Tâhir Ahmed ez-Zâvî – Mahmûd Muhammed et-Tanâhî. Beyrut: el-Mektebetü’l-ilmiyye, 1979.
Kâdî İyâz, Ebü’l-Fazl İyâz b. Mûsâ b. İyâz el-Yahsubî es-Sebtî. İkmâlü’l-Mu’lim bi-fevâ’id fî şerhi Sahîhi Müslim. Mansûre: Dâru’l-Vefâ, 1998.
Kuşeyrî, Ebü’l-Kāsım Zeynülislâm Abdülkerîm b. Hevâzin b. Abdilmelik. Letâ’ifü’l-İşârât. thk. İbrâhîm el- Besyûnî. Mısır: el-Hey’etu’l-Mısriyyetu’l-Âmme li’l kitab, 3. Baskı, 1970.
Müslim, Ebü’l-Hüseyn Müslim b. el-Haccâc b. Müslim el-Kuşeyrî. es-Sahih. Beyrut: Dâru İhyai’t-Turasi’l-Arabî, ts.
Saîd b. Mansûr, Ebû Osmân Saîd b. Mansûr b. Şu‘be el-Horasânî. es-Sünen. thk. Habiburrahman el-Âzamî. Hind: ed-Dâru’s-Selefiyye, 1982.
Şafiî, Ebû Abdillâh Muhammed b. İdrîs b. Abbâs eş-Şâfiî. el-Umm. thk. Rifât Fevzi Abdulmuttalib. Kahire: Darü’l-Vefâ, 1422.
Tahâvî, Ebû Ca‘fer Ahmed b. Muhammed b. Selâme el-Ezdî el-Hacrî el-Mısrî. Şerhu Müşkili’l-âsâr. thk. Şuayb Arnavut. Beyrut: Müessesetu’r Risale, 1994.
Tirmizî, Ebû İsâ Muhammed b. İsâ b. Sevre. es-Sünen. thk. Ahmed Muhammed Şâkir v.dğr. Mısır: Şeriketü Mektebe ve Matba’tü Mustafa el-Bâbî el-Halebî, 2. Baskı, 1395.
Turibişti, Fedlullah b. Hasan b. Hüseyn b. Yusuf Ebû Abdullah Şihabu’d-dîn. el-Müyesser fi şerhi Mesâbîhi’s-Sünne. thk. Abdulhamîd Hindâvî. Suudi Arabistan: Mektebetu Nizar Mustafa’l-Baz, 2. Baskı, 2018.
[1] أبو الحسن علي بن خلَف بن عبد الملك بن بَطّال، شرح صحيح البخاري، مح. أبو تميم ياسر بن إبراهيم (الرياض: مكتبة الرشد، 2003) 1/75.
[2] أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القُشَيري، لطائف الإشارات، مح. إبراهيم البسيوني (مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، د.ت) 1/565.
[3] رغسه الله مالًا، أي: “أكثر له منه، وبارك له فيه”. أبو عبيد القاسم بن سلام الـهَرَوِيّ، غريب الحديث، مح. حسين محمد محمد شرف (القاهرة: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1984) 3/222.
[4] محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، المشهور بـصحيح البخاري، عناية. محمد زهير الناصر (الرياض: دار طوق النجاة، 1422)، “أحاديث الأنبياء”،55 )3478(.
[5] أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قُتَيبة الدِّيْنَوَرِيّ، تأويل مختلف الحديث، مح. محمد محيي الدين الأصفر (بيروت/الدوحة: المكتب الاسلامي/مؤسسة الإشراق، 1999) 186.
[6] البخاري، “الرقاق”، ) 506571(.
[7] أبو إسحاق ابن قُرْقُول، إبراهيم بن يوسف الوَهْرَاني، مطالع الأنوار على صحاح الآثار، مح. دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث )قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2012) 5/467.
[8] البخاري، “الجهاد والسير”، ) 1383007(، واللفظ له؛ مسلم، “فضائل الصحابة”، 2494.
[9] الشافعي، الأم، مح. رفعت فوزي عبد المطلب (القاهرة: دار الوفاء، 1422)، “الحكم في قتال المشركين”، 5/612.
[10] حَمْد بن محمد، أبو سليمان الخطابي، أعلام الحديث شرح صحيح البخاري، مح. محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود (السعودية: جامعة أم القرى، مركز البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، 1409)، 1/177.
[11] مسلم، “الجهاد والسير”، 1780.
[12] يحيى بن محمد بن هبيرة الذُّهْلي الشَّيبانيّ، الإفصاح عن معاني الصحاح، مح. فؤاد عبد المنعم أحمد (الرياض: دار الوطن، 1417) 8/207-208.
[13] تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني، الصارم المسلول على شاتم الرسول، مح. محمد عبد الله عمر الحلواني، محمد كبير أحمد شودري (بيروت: دار ابن حزم،1417)، 374.
[14] أحمد بن حنبل الشيباني، المسند، مح. شعيب الأرنؤوط وآخرون (بيروت: مؤسسة الرسالة، 2001)، 18-20/30 )18095(؛ محمد بن عيسى الترمذي، السنن، مح. أحمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي وإبراهيم عطوة (مصر: مكتبة مصطفى البابي الحلبي، 1975)، “أبواب الدعوات”، ) 1063535(. واللفظ لأحمد.
[15] أحمد، المسند، 18-20/30 )18095(.
[16] حَمْد بن محمد الخَطّابي، معالم السنن (حلب: المطبعة العلمية، 1351) 1/62.
[17] محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، السنن، مح. شعيب الأرنؤوط وغيرهم (بيروت: دار الرسالة العالمية، 2009)، “الصدقات”، 17 )2426(.
[18] البخاري، “اللباس”،18 )5809(. من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
[19] البخاري،”المغازي”،58 )4328(. من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[20] البخاري،”الأدب”،35 )6025( من حديث أنس رضي الله عنه.
[21] مسلم،”الطهارة”، 285.
[22] البخاري،”الوضوء”،61 )220(. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[23] زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي، وابنه ولي الدين أبو زرعة أحمد، طرح التثريب في شرح التقريب (مصر: جمعية النشر والتأليف الأزهرية، 1354) 2/138.
[24] البخاري،”المغازي”،34 )4139). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
[25] سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني الجوزجاني، السنن، مح. حبيب الرحمن الأعظمي (الهند: الدار السلفية، 1982) 2504.
[26] محمد علي بن محمد بن علان بن إبراهيم البكري الصديقي الشافعي، دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، مح. خليل مأمون شيحا (بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، 2004) 2/276.
[27] البخاري، “المغازي”،60 )4339(.
[28] أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي المصري المعروف بالطحاوي، شرح مشكل الآثار، مح. شعيب الأرنؤوط (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1994)،8/274 )3233(.
[29] الطحاوي، شرح مشكل الآثار، 8/274.
[30] البخاري، “تفسير القرآن”،94 )4591(؛ مسلم، “التفسير”، 3025. واللفظ لمسلم.
[31] الترمذي، “أبواب تفسير القرآن”،5 )3030(.
[32] ابن القيم، إعلام الموقعين، 4/89.
[33] أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني، السنن، مح. شعيب الأرنؤوط ومحمد كامل قره بللي (بيروت: دار الرسالة العالمية، 1430)، “أول كتاب الصوم”، 74 )2459(.
[34] أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، المسند، مح. حسين سليم أسد (جدة: دار المأمون للتراث، 1989)،2/308 )1037(.
[35] الحارث بن محمد أبو محمد التميمي البغدادي، المعروف بابن أبي أسامة، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، انتقاء: أبي الحسن نور الدين علي بن أبي بكر الهيثَمي، مح. حسين أحمد صالح الباكري (المدينة المنورة: مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، 1992) 232.
[36] مسلم، “كتاب المساجد”، 681؛ أبو داود، “الصلاة”،11 )441(. واللفظ له.
[37] الخطابي، معالم السنن، 2/137.
[38] فضل الله بن حسن بن حسين بن يوسف أبو عبد الله، شهاب الدين التُّورِبِشْتِي، الميسَّر في شرح مصابيح السُّنّة، مح. عبد الحميد هنداوي (السعودية: مكتبة نزار مصطفى الباز، 2008) 1/240.
[39] البخاري، “صلاة الخوف”،5 )946(.
[40] عياض بن موسى بن عياض اليَحصُبي القاضي، إكمال الـمُعلِم بفوائد مسلم، مح. يحيى إسماعيل (مصر: دار الوفاء، 1998) 6/110.
[41] البخاري، “الجهار والسير”،173 )3053(.
[42] البخاري، “المرضى”،17 )5669(.
[43] أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، مح. عبد المعطي قلعجي (بيروت: دار الكتب العلمية، 1988) 7/184.
[44] البيهقي، دلائل النبوة، 7/185.
[45] أبو داود، السنن، “الطهارة”،121 )334(.
[46] أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري (بيروت: دار الرسالة العالمية، 2013)، 2/195.
[47] البخاري، الصحيح، “أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم”،33 )3773(.
[48] أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البَرّ النَّمَري القُرطبي، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، مح. بشار عواد معروف وآخرون (لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 2018) 12/267.
[49] أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، الإحكام في أصول الأحكام، مح. أحمد محمد شاكر (بيروت: دار الآفاق الجديدة، د. ت) 5/131-132.
[50] البخاري، “تفسير القرآن”،153 )4670(.
[51] البخاري، “تفسير القرآن”،154 )4672(.
[52] البخاري، “الجنائز”،84 )1366(.
[53] ابن حجر، فتح الباري، 13/360.
[54] نقله عنه ابن حجر، فتح الباري، 13/361.
[55] الخطابي، أعلام الحديث، 3/1849.
[56] ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 3/352.
[57] البخاري، “الشروط”،15 )2731(. وروى البخاري نحو هذه القصة أيضًا، الصحيح، “الجزية”،18 )3182( عن سهل بن حنيف.
[58] أبو جَنْدَل: هو “أبو جَندَل بن سُهَيل بن عمرو القرشي العامري، قيل اسمه عبد اللَّه، وكان من السابقين إلى الإسلام، وممن عذّب بسبب إسلامه، أسلم قديما بمكة فحبسه أبوه وأوثقه في الحديد ومنعه الهجرة، ثم أفلَتَ بعد الحديبية، فخرج إلى أبي بَصِيرٍ بالعِيْصِ، فلم يَزَل معه حتى مات أبو بَصِير، فقدِمَ أبو جندل ومَن كان معه من المسلمين المدينةَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي في طاعون عمواس في سنة ثمان عشرة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه”. ابن سعد، محمد بن سعد الهاشمي مولاهم، البصري البغدادي، الطبقات الكبير، مح. علي محمد عمر (القاهرة: مكتبة الخانجي، 2001) 9/409.
[59] ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 5/366.
[60] يقال له: ابن الدُّخْشُن، أو ابن الدُّخْشُم، بالنون أو الميم آخره. انظر: أحمد، المسند،27/10-13 )16482، 16483(.
[61] البخاري، “استتابة المرتدين”،9 )6938(.
[62] ابن حجر، فتح الباري، 22/262. وانظر كلامَ المهلَّب بن أبي صفرة في حديث عمر التالي.
[63] “لبّبت فلانًا: إذا جَمعتَ ثيابَه عند صدره، ونَحرِه، ثم جَرَرْتَه”. أبو عبيد القاسم بن سَلّام الهروي، غريب الحديث، 2/327.
[64] البخاري، “استتابة المرتدين”،9 )6936(.
[65] نقله عنه ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 8/595-596.
[66] البخاري، “الشهادات”،15 )2661(.
[67] شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد، المعروف بابن قَيِّم الجَوزِيّة، إعلام الموقعين عن رب العالمين، مح. طه عبد الرؤوف سعد (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1968) 4/90.
[68] ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين، 4/95.
[69] البخاري، “الصلاة”،71 )457(.
[70] ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 2/119.
[71] ابن ماجه، “أبواب الطلاق”، 16 )2045(.
[72] البخاري، “الاعتصام بالكتاب والسنة”،21 )7352(.
[73] ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، 22/261.
[74] الترمذي، “المناقب”،102 )3791(، وقال: حديث حسن صحيح.